(كريمة حاجي)

بعد كل تجربة سفر تخوضها وتتقاسمها عبر صفحاتها على وسائل التواصل الاجتماعي، يزداد عدد متابعي أسماء تهامي الذين يستهويهم ما تتشاركه معهم من وجهات سياحية متميزة ومعلومات دقيقة ومفصلة حول أسفارها: اللحظات القوية، النقاط الإيجابية والسلبية، الأسعار، وسائل النقل.. وغيرها من المعلومات التي تعبد الطريق أمام الكثيرين لخوض التجربة نفسها.

 هي فتاة حالمة تدرك حاجة الناس للسفر والتعرف على أماكن جديدة هربا من ضغط العمل والإيقاع السريع للحياة اليومية، لكنها أيضا واقعية لكونها تعلم جيدا أن تحفيز الناس على جعل السفر جزءا لا يتجزأ من روتين حياتهم، يمر أولا عبر إطلاعهم على كل المعلومات التي يحتاجونها، ولاسيما النساء اللائي يعتبرن الفئة الأكثر توجسا من السفر، خاصة نحو وجهات يعتبرنها غير آمنة.

 تقول أسماء، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن هدفها منذ البداية لم يكن تقاسم تفاصيل أسفارها، لكن ما استشعرته من تغيير في شخصيتها وتحسن في مزاجها ونمط عيشها، دفعاها لتتشارك هذه التجارب مع متابعيها حتى يعيشوا نفس المغامرة بكل ما تحمله من استكشاف واستمتاع وهدوء نفسي.

وبعد التجاوب الكبير الذي لمسته في صفوف متابعيها، رسمت أسماء لنفسها هدفا آخر يتمثل في الترويج للسياحة الوطنية، خاصة في ظل جائحة كورونا وما خلفته من ركود للقطاع السياحي، حيث أعطت الأولوية للتعريف بالمؤهلات السياحية لمناطق قروية نائية تبدو عصية على الولوج ولا تستهوي الكثيرين بسبب المخاوف المرتبطة بالجغرافيا والبنية التحتية وحالة الطريق..

+ صعوبات البداية.. إقناع الوالدين، المال والتوفيق بين الحياة العملية والسفر +

 تؤكد أسماء أن حبها للسفر لم يبدأ منذ طفولتها ولم يكن حلما سعت لتحقيقه، بل كانت أسفارها لا تعدو كونها زيارات للأهل أو للاستمتاع بالعطلة الصيفية، غير أنه بعد إتمام مشوارها الدراسي والعمل كمكلفة بالتسويق في شركة للاتصالات بمدينة تمارة، بدأت فكرة السفر تراودها، حيث اختارت تايلاند كأول وجهة سعت لاستكشافها، تلتها البرازيل التي شكلت حسب قولها “بداية علاقة حب مع السفر” حيث فتحت شهيتها لاكتشاف ثقافات وحضارات أخرى بكل التفاصيل التي تميزها، فضلا عن بلدها الأم الذي لم تكن تدرك جيدا المؤهلات السياحية التي يزخر بها.

 كما أن إقناع والديها برغبتها الجامحة في السفر واكتشاف وجهات بعيدة وتبدو غير آمنة لم يكن بالأمر الهين، بحسب أسماء، “بالنظر لثقافتنا والحماية الزائدة تجاه البنات”، غير أنها استطاعت طمأنتهم حول قدرتها على تأمين سفرها. تقول أسماء إن أبويها، وبعدما رأوا مفعول السفر على طريقة تفكيرها وما يمنحها من راحة نفسية، تبددت مخاوفهم، بل أكثر من ذلك، أقنعتهما بمرافقتها في أسفارها “فأصبحا شريكين لي في متعة البحث المتجدد عن وجهات سياحية متميزة”.

ولأن المال يشكل واحدا من أهم العراقيل أمام السفر، أكدت أسماء أنها تعتبر سفرها نحو وجهات سياحية خارج المغرب بمثابة مشروع يحتاج لتخطيط، حيث تحدد ما ستحتاجه من مصاريف وتقوم بمدخرات لتحقيق هدفها. أما بالنسبة للسفر داخل المغرب، فأكدت أنه غير مكلف بالشكل الذي نتصوره، خاصة إذا تم عن طريق الأسفار المنظمة واختيار الإقامة في النزل (أوبيرج) التي تكون أثمنتها في الغالب مناسبة، مسجلة في هذا الصدد أن تقاسم السفر مع عدة أشخاص لا يقلل من تكلفة السفر فحسب، بل يساهم في خلق صداقات متجددة.

ومن يتابع رحلات أسماء الكثيرة يعتقد أنها تقضي وقتها كله في السفر. وعن هذه النقطة بالخصوص، تقول بابتسامة عفوية “الحقيقة أنني كسائر الموظفين، ملتزمة بمواقيت عملي كما يجب. فأنا أستفيد من عطلتي السنوية لزيارة بلدان بعيدة، في حين أخصص عطلة نهاية الأسبوع لزيارة مناطق عدة في المغرب. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الالتزام المهني لا يحرمنا من متعة السفر طيلة السنة”.

+ السياحة القروية.. فرصة للاستمتاع بالطبيعة الخلابة وتنمية المناطق النائية +

 لا يقل اهتمام أسماء بزيارة بلدان في كل قارات العالم عن الاهتمام الذي توليه لاستكشاف وطنها الأم، وخاصة المناطق القروية والنائية، من منطلق رغبتها “في الرجوع إلى الأصل والاستمتاع بالطبيعة والتواصل مع أناس مختلفين عن أولئك الذين يعيشون في المدن.. لملامسة بساطتهم ومعركتهم اليومية من أجل العيش الكريم”.

 تقول أسماء بتأثر كبير “عندما أزور قرية يعاني سكانها من عدم وجود الماء الشروب والكهرباء والربط بوسائل الاتصال أقدّر النعم التي أتوفر عليها والرخاء الذي أعيشه”، لذلك فهي حريصة مرة في الشهر على الأقل على زيارة قرية مغربية “حتى أستمتع بالطبيعة وأقوم بوقفة تشكل قطيعة مع حياة الحواضر وما تحمله من ضغط ووتيرة سريعة”.

 وبعد زياراتها العديدة لمناطق بالمغرب العميق، لا تتوان أسماء عن التأكيد على أن السياحة القروية واحدة من أهم نقط قوة السياحة الداخلية، خاصة وأنها تتيح نمط سفر نادر جدا في العالم، وهو المبيت عند سكان القرى، داعية إلى إيلائها الاهتمام اللازم وعدم الاقتصار على الوجهات الكلاسيكية “لأنها تمكننا من الاستمتاع بالطبيعة الخلابة بتكلفة غير باهظة. كما أن التعريف بهذه المناطق النائية يجر التنمية إليها ويساعد ساكنتها على تحسين ظروف عيشهم، من خلال مبادرات تضامنية كإيصال المساعدات الغذائية والملابس والكتب”.

 وتوقفت بهذا الخصوص عند أمثلة متعددة لمناطق خلابة، لكنها لم تكن معروفة بالقدر الكافي، كإمليل وتاغيا وامسفران، حيث ساهمت الرحلات التي قامت بها، وغيرها من محبي السياحة القروية، في التعريف بها على نطاق واسع، لتصبح قبلة للعديد من عشاق هذا النوع من الأسفار من المغرب وخارجه.

 ولتحقيق متعة السفر ومساعدة الساكنة المحلية في الآن نفسه، تترأس أسماء جمعية (Trip et Partage) التي تقوم بتنظيم أسفار لأهداف اجتماعية ومساعدة الدواوير المعزولة.

+ السفر: استمتاع واستكشاف.. ودروس أيضا في التسامح واحترام الآخر +

لأسماء طقوس خاصة للسفر تعيشها بحماس كبير بعد تحديد كل وجهة جديدة، حيث تقسم برنامج رحلتها إلى ثلاث مراحل: قبل السفر وأثناء السفر وبعد العودة. فقبل السفر تقوم بالتحضير لبرنامج رحلتها وتطلع على جوانب عديدة تهم وجهتها، فمتعة الاستكشاف، كما تقول، “تبدأ في مخيلتي أولا، من خلال البحث عن الأماكن التي يتعين علي زيارتها للتعرف على تاريخ بلد ما وعادات سكانه وديانتهم وتقاليدهم ولباسهم”.

وأثناء السفر، تتحدث أسماء عن الإحساس بالحرية المطلقة الذي يغمرها قائلة “أشعر أن وقتي كله ملك لي، وأنني غير مرتبطة بأي إكراه على مستوى العمل أو الأسرة.. كل حواسي تركز على سفري وما أشاهده في كل بلد وما يضمه من مآثر تاريخية قد أراها مرة واحدة في حياتي”.

وفي هذه المرحلة بالضبط، تتحدث أسماء بإسهاب عن ما تعيشه من مواقف ومشاعر خاصة عندما تزور بلدا بعيدا ومختلفا عن الوسط الذي عاشت فيه “فأنا أكون حريصة أشد الحرص على تعلم أشياء جديدة غير موجودة في ثقافتي الأم، وأن أكون أكثر تسامحا واحتراما للآخر. كما قلّت الأحكام المسبقة التي كانت لديّ”. وعبرت عن قناعتها بأن هناك اختلافا كبيرا في شخصيتها قبل السفر والآن “فالسفر يعلمنا الانفتاح ويساهم في نضجنا وخروجنا من منطقة الراحة”.

 أما في المرحلة الثالثة، أي بعد السفر، فتصبح الذكريات المرتبطة بكل بلد زارته أسماء مصدرا للطاقة الإيجابية والسعادة.

 وبخصوص المعايير التي تعتمدها لاختيار وجهاتها، أكدت أسماء أنه “بالنسبة للخارج، أختار بلدان بعيدة جغرافيا وثقافيا عني وأسعى للابتعاد أكثر قدر ممكن عن منطقة الراحة. ففي بلدان مثل البرازيل واليابان والهند واسكتلندا، عشت تجارب مختلفة عما يقوم به السياح العاديون، حيث أقوم بارتداء ملابسهم وأزور أسواقهم الشعبية ومعابدهم… بخلاصة أتقمص شخصية مواطن ذلك البلد”.

 وعن أحسن الأسفار التي ستظل راسخة في ذاكرتها، توقفت أسماء بالخصوص عند سفرها للهند بالنظر للتنوع الذي يميزه على مستوى الطبيعة والثقافة والديانات وفلسفة العيش والمآثر التاريخية والشواطئ.. إضافة إلى ما يميز هذا البلد من حسن استقبال وتسامح واحترام للآخر.

 وفي المغرب، شكلت تجربة صعود قمة جبل توبقال تحديا بالنسبة لها، استشعرت بعده إحساسا رائعا بالفخر وربح التحدي.

 ولكونها راكمت معارف ومعلومات كثيرة حول السياحة بالمغرب بفضل أسفارها إلى العديد من المناطق البعيدة، فقد أهل ذلك أسماء للمشاركة في إعداد برنامج “نكتاشفو بلادنا” الذي بثته القناة الثانية (دوزيم). كما ساهمت في برنامج آخر هو “شوف بلادي” على القناة نفسها الذي يقوم ببث كبسولات تعرف بالعديد من المناطق المغربية.

 وعن مشاريعها المستقبلية، أكدت أسماء أن هدفها سيظل دائما تقاسم أسفارها مع متابعيها بكل إيجابياتها وسلبياتها، فضلا عن انخراطها في العديد من الشراكات التي تسعى من خلالها إلى الترويج للمغرب كوجهة سياحية جذابة، ولاسيما من خلال كتابة مقالات تتضمن نصائح لزيارة المملكة بأقل تكلفة.